الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله تعالى: {فَتَرَى الذين}: الجمهورُ على {تَرَى} بتاء الخطاب، و{الذين} مفعُول، فإن كانت الرُّؤيَة بَصَرِيَّةً أو عرفانية- فيما نقله أبُو البقاء وفيه نظر- فتكون الجُمْلَة من {يُسَارِعُون} في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصُول، وإن كانت قَلْبِيَّةً، فيكون {يُسَارِعُون} مفعولًا ثانيًا.وقرأ النَّخْعِي، وابن وثَّاب {فَيَرَى} باليَاء وفيها تَأويلان:أظهرهما: أنَّ الفاعِل ضمير يَعُود على الله تعالى، وقيل: على الرَّأي من حيث هُو: و{يُسَارِعون} بحالتها.والثاني: أن الفاعل نفس الموصُول، والمفعول هو الجملة من قوله: {يسارعون}، وذلك على تأويل حذْفِ «أنْ» المصدريَّة، والتقدير: ويرى القوم الذين في قُلُوبهم مَرَضٌ أن يُسَارِعُوا، فلما حُذِفَتْ: «أنْ» رُفِعَ الفِعْلُ؛ كقوله: [الطويل]أجاز ابْنُ عطيَّة حذف «أن» المصدريّة، إلا أنَّ هذا غير مَقِيسٍ؛ إذ لا تُحْذَفُ «أن» عند البصريين إلا في مواضع مُحفُوظة.وقرأ قتادةُ والأعْمش: {يُسْرِعُونَ} من أسْرَعَ.و{يَقُولُون} في محل نَصْب على الحالِ من فاعل {يُسَارِعُون}، و{نَخْشَى} في محل نَصْبٍ بالقَوْل، و{أنْ تُصِيبنَا} في محلِّ نَصْبٍ بالمفعُول أي: «نَخْشَى إصابَتَنَا»، والدَّائرة صفة غَالِبة لا يذكر موصُوفها، والأصل: دَاوِرَة؛ لأنَّها من دار يَدُور.قال الواحدي: الدَّائرة من دَوَائِر الزَّمن، كالدَّولة والدَّوَائِل تَدُولُ قال الشاعر: [الرجز] يعني بدور الدَّهر: هو الدَّائِرة من قَوْم إلى قَوْم.قوله: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح}، {أن يَأتِي} في محلِّ نَصْبٍ إمَّا على الخبر لـ {عسى}، وهو رأي الأخْفَش، وإمَّا على أنَّهُ مَفْعُول به، وهو رأيُ سيبوَيْه لئلاَّ يلزم الإخْبَار عن الجُثَّةِ بالحدَثِ في قولك: «عَسَى زَيْدٌ أن يَقُوم».وأجاز أبو البقاء أن يكون {أنْ يأتِي} في محلِّ رفعٍ على البَدَلِ من اسْمِ {عسى}، وفيه نظر.قوله تعالى: {فَيُصْبِحُوا} فيه وجهان:أظهرهما: أنَّه منصوب عَطْفًا على {يأتي} المَنْصُوب بـ {أنْ}، والذي يُسَوِّغُ ذلك وُجُود «الفَاء» السَّبَبِيَّة، ولولاَهَا لم يَجُزْ ذلك؛ لأن المعطُوف على الخبر خبر، و{أنْ يَأتِي} خبر {عَسَى}، وفيه راجعٌ عائِدٌ على اسْمِهَا.وقوله: {فَيُصْبِحُوا} ليس فيه ضَمِيرٌ يَعُود على اسْمِهَا، فكان من حَقِّ المسألة الامْتِنَاع، لكن «الفَاء» للسسببِيَّة، فجعلت الجُمْلَتَيْن كالجملة الواحِدة، وذلك جَارٍ في الصِّلة نحو: «الذي يطير فيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبابُ».والصِّفة نحو: «مررت بِرَجُلٍ يَبْكِي فَيَضْحَكُ عَمْرو»، والخبر نحو: «زيدٌ يبكي فيضحَكُ خالد»، ولو كان العَاطِفُ غير «الفَاء» لم يجُزْ ذلك.والثاني: أنه منْصُوب بإضْمَار «أنْ» بعد الفَاءِ في جواب التَّمَنِّي قالوا: «لأن {عَسَى} تَمَنٍّ وتَرَجٍّ في حَقّ البَشَر».{على مَا أَسَرُّواْ} متعلِّق بـ {نَادِمِين}، و{نَادِمِين} خَبر «أصْبَح». اهـ. باختصار. .تفسير الآية رقم (53): قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)}.من أقوال المفسرين: .قال البقاعي: {ويقول الذين آمنوا} من رفعه عطفه على معنى {نادمين} فإن أصله: يندمون، ولكنه عبر بالاسم إعلامًا بدوام ندمهم بشارة بدوام الظهور لهذا الدين على كل دين، أو على {يقولون نخشى}، ومن أسقط الواو جعله حالًا، ومن نصبه جاز أن يعطفه على {يصبحوا} أي يكون ذلك سببًا لتحقق المؤمنين أمر المنافقين بالمسارعة في أهل الكتاب عند قيامهم سرورًا بهم والندم عند خذلانهم ومحقهم، فيقول بعض المؤمنين لبعض تعجبًا من حالهم واغتباطًا بما من الله عليهم به من التوفيق في الإخلاص مشيرين إلى المنافقين تنبيهًا وإنكارًا: {أهؤلاء} أي الحقيرون {الذين أقسموا بالله} أي وهو الملك الأعظم {جهد أيمانهم} أي مبالغين في ذلك اجتراء على عظمته {إنهم لمعكم} أيها المؤمنون! ويجوز أن يكون هذا القول من المؤمنين لليهود في حق المنافقين حيث قاسموهم على النصرة؛ ثم ابتدأ جوابًا من بقية كلام المؤمنين أو من كلام الله لمن كأنه قال: فماذا يكون حالهم؟ فقال: {حبطت} أي فسدت فسقطت {أعمالهم فأصبحوا} أي فتسبب عن ذلك أنهم صاروا {خاسرين} أي دائمي الخسارة بتعبهم في الدنيا بالأعمال وخيبة الآمال، وجنايتهم في الآخرة الوبال، وعبر بالإصباح لأنه لا أقبح من مصابحة السوء لما في ذلك من البغتة بخلاف ما ينتظر ويؤمل. اهـ..قال الفخر: الفائدة في أن المؤمنين يقولون هذا القول هو أنهم يتعجبون من حال المنافقين عندما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى، وقالوا: إنهم يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم معنا ومن أنصارنا، فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا محبين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم؟. اهـ..قال القرطبي: {أهؤلاء} إشارة إلى المنافقين.{أَقْسَمُواْ بالله} حلفوا واجتهدوا في الإيمان.{إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أي قالوا إنهم، ويجوز «أنهم» نصب ب {أقسموا} أي قال المؤمنون لليهود على جهة التوبيخ: أهؤلاء الذي أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم يعينونكم على محمد.ويحتمل أن يكون من المؤمنين بعضهم لبعض؛ أي هؤلاء الذين كانوا يحلِفون أنهم مؤمنون فقد هتك الله اليوم سترهم {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت بنفاقهم.{فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} أي خاسِرين الثواب.وقيل: خسِروا في موالاة اليهود فلم تحصل لهم ثمرة بعد قتل اليهود وإجلائهم. اهـ..قال الألوسي: {وَيَقُولُ الذين ءامَنُواْ} كلام مستأنف مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة.وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بياني كأنه قيل: فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ وقرأ أبو عمرو ويعقوب {وَيَقُولُ} بالنصب عطفًا على {فَيُصْبِحُواْ} [المائدة: 52]، وقيل: على {أَن يَأْتِىَ} [المائدة: 52] بحسب المعنى كأنه قيل: عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا بإسناد يأتي إلى الاسم الجليل دون ضميره، واعتبر ذلك لأن العطف على خبر عسى أو مفعولها يقتضي أن يكون فيه ضمير الله تعالى ليصح الإخبار به أو ليجري على استعماله، ولا ضمير فيه هنا ولا ما يغني عنه، وفي صورة العطف باعتبار المعنى تكون عسى تامة لإسنادها إلى {أن} [المائدة: 52] وما في حيزها فلا حاجة حينئذ إلى ضمير، وهذا كما قيل: قريب من عطف التوهم، وكأنهم عبروا عنه بذلك دونه تأدبًا، وجوز بعضهم أن يكون {أَن يَأْتِىَ} بدلًا من الاسم الجليل، والعطف على البدل، وعسى تامة أيضًا كما صرح به الفارسي، وبعضهم يجعل العطف على خبر عسى ويقدر ضميرًا أي: ويقول الذين آمنوا به وذهب ابن النحاس إلى أن العطف على الفتح وهو نظير:واعترض بأن فيه الفصل بين أجزاء الصلة وهو لا يجوز وبأن المعنى حينئذ: عسى الله تعالى أن يأتي بقول المؤمنين وهو ركيك، وأجيب عن الأول: بالفرق بين الإجزاء بالفعل والإجزاء بالتقدير، وعن الثاني: بأن المراد عسى الله سبحانه أن يأتي بما يوجب قول المؤمنين من النصرة المظهرة لحالهم.واختار شيخ الإسلام قدس سره ما قدمناه، ولا يحتاج إلى تكلف مؤونة تقدير الضمير لأن {فَيُصْبِحُواْ} [المائدة: 52] كما علمت معطوف على يأتي والفاء كافية فيه عن الضمير، فتكفي عن الضمير في المعطوف عليه أيضًا لأن المتعاطفين كالشيء الواحد، ولا حاجة مع هذا إلى القول بأن العطف عليه بناءًا على أنه منصوب في جواب الترجي إجراءًا له مجرى التمني كما قال ابن الحاجب لأن هذا إنما يجيزه الكوفيون فقط بخلاف الوجه الذي ذكرناه، والمعنى ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة عنهم في السراء والضراء عند مشاهدتهم تخيبة رجائهم وانعكاس تقديرهم لوقوع ضد ما كانوا يترقبونه، ويتعالون به تعجيبًا للمخاطبين من حالهم وتعريضًا بهم.{أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أي بالنصرة والمعونة كما قالوه فيما حكي عنهم {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} [الحشر: 11]، فاسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبره، والمعنى إنكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم في ذلك قاله شيخ الإسلام وغيره، واختار غير واحد أن المعنى يقول المؤمنون الصادقون بعضهم لبعض أهؤلاء الذين أقسموا بالله تعالى لليهود إنهم لمعكم والخطاب على التقديرين لليهود إلا أنه على الأول: من جهة المؤمنين، وعلى الثاني: من جهة المقسمين، وفي «البحر» (3 509) أن الخطاب على التقدير الثاني للمؤمنين أي «يقول الذين آمنوا بعضهم لبعض تعجبًا من حال المنافقين إذ أغلظوا بالأيمان لهم وأقسموا أنهم معكم وأنهم معاضدوكم على أعدائكم اليهود فلما حل باليهود ما حل أظهروا ما كانوا يسرونه من موالاتهم والتمالؤ على المؤمنين»، وإليه يشير كلام عطاء وليس بشيء كما لا يخفى، وجملة {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} لا محل لها من الإعراب لأنها تفسير وحكاية لمعنى أقسموا لكن لا بألفاظهم وإلا لقيل: إنا معكم، وذكر السمين وغيره أنه يجوز أن يقال: حلف زيد لأفعلن وليفعلن، و{جَهْدَ أيمانهم} منصوب على أنه مصدر لأقسموا من معناه، والمعنى أقسموا إقسامًا مجتهدًا فيه، أو هو حال بتأويل مجتهدين، وأصله يجتهدون جهد أيمانهم، فالحال في الحقيقة الجملة، ولذا ساغ كونه حالًا كقولهم: افعل ذلك جهدك مع أن الحال حقها التنكير لأنه ليس حالًا بحسب الأصل.وقال غير واحد: لا يبالى بتعريف الحال هنا لأنها في التأويل نكرة وهو مستعار من جهد نفسه إذا بلغ وسعها، فحاصل المعنى أهؤلاء الذين أكدوا الأيمان وشدّدوها.{حَبِطَتْ أعمالهم فَأَصْبَحُواْ خاسرين} يحتمل أن يكون هذا جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى لبيان مآل ما صنعوه من ادعاء الولاية والقسم على المعية في كل حال إثر الإشارة إلى بطلانه بالاستفهام، وأن يكون من جملة مقول المؤمنين بأن يجعل خبرًا ثانيًا لاسم الإشارة، وقد قال بجواز نحو ذلك بعض النحاة، ومنه قوله سبحانه: {فَإِذَا هي حَيَّةٌ تسعى} [طه: 20]، أو يجعل هو الخبر والموصول مع ما في حيز صلته صفة للمبتدأ، فالاستفهام حينئذ للتقرير، وفيه معنى التعجيب كأنه قيل: ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم، والمعنى بطلت أعمالهم التي عملوها في شأن موالاتكم وسعوا في ذلك سعيًا بليغًا حيث لم تكن لكم دولة كما ظنوا فينتفعوا بما صنعوا من المساعي وتحملوا من مكابدة المشاق، وفيه من الاستهزاء بالمنافقين والتقريع للمخاطبين ما لا يخفى قاله شيخ الإسلام وذهب بعضهم إلى أنه إذا كانت من جملة المقول فهي في محل نصب بالقول بتقدير أن قائلًا يقول: ماذا قال المؤمنون بعد كلامهم ذلك؟ فقيل: قالوا: {حبطت أعمالهم} الخ، والجملة إما إخبارية، وشهادة المؤمنين بمضمونها على تقدير أن يكون المراد به خسران دنيوي وذهاب الأعمال بلا نفع يترتب عليها هو ما أملوه من دولة اليهود مما لا إشكال فيه، وعلى تقدير أن يكون المراد أمرًا أخرويًا فيحتمل أن يكون باعتبار ما يظهر من حال المنافقين في ارتكاب ما ارتكبوا، وأن تكون باعتبار إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإما جملة دعائية ولا ضير في الدعاء بمثل ذلك على ما مرت الإشارة إليه، وأشعر كلام البعض أن في الجملة معنى التعجب مطلقًا سواء كانت من جملة المقول أو من قول الله تعالى، ولعله غير بعيد عنه من يتدبر. اهـ.
|